البطة والبس ومشاهير الفلس
شاهد الجميع كيف أقبل الناس من كل حدب وصوب لمشاهدة بطة وقط الخبر! الرجال والنساء والكبار والصغار بحيث لا تستطيع وجود موطأ قدم، وإن وجدته فسرعان ما يصبح موطأ قدمك هذا دون قيمة لأن "الكبلز" انتقلا إلى مكان آخر وعليك المسارعة للحاق بهما، وهكذا يظل الزائر يبحث عن موطئ قدم جديدة، ومن أخرى لأخرى، وسط حشود بشرية حاملة أجهزتها للتوثيق وتسجيل سبق شخصي للمتابعين، والحذر من أن تفسد المشهد بمرورك أمام كاميرات الجمهور وخاصة السيدات المتعاطفات مع البطة "العاشقة" يا حرام! هذا المشهد الذي أشغل الكثير ونسجت حوله الروايات الرومانسية عند الأكثرية بين "البطة والقط "وسطر آخرون رواية أخرى قاسية تزعم أن القط أكل صغار البطة فلذلك تلاحقه عطفاً على صغارها وغيرها من الحكايات حتى انتهت واختفت الدراما المصاحبة. وفي الحقيقة كل هذا ليس موضوعنا اليوم. موضوع اليوم هو الرسالة ذات الدلالات المعبرة والمعتبرة في هذه القصة، من وجهة نظري، وهي أن "كبلز الخبر" توشحا دور نجوم اليوم، مشاهير الفلس عبر منصات التواصل الاجتماعي الذين فجأة وجدوا الناس تهرول حولهم وتجعل منهم نجوم المجتمع بينما هم مجرد "بسة وبطة" تفاجآ بالمشهد الحاشد وتسليط الأضواء من دون سابق وعي ولا إدراك. هذه النجومية المفاجأة للبطة والقط التي نشاهد
مراحلها اليوم، تذكرنا بالمراحل الأولى لنجوم منصات التواصل حين وجدوا أنفسهم فجأة أمام المجتمع من دون مخزون ثقافي ولا تسليح علمي ولا إعلامي وبدؤوا يتخبطون يمنة ويسرة في مشاهد كشفت عوراتهم الثقافية وضعف وعيهم وإدراكهم وأحرجت مجتمعاتهم وأوطانهم والأمثلة عديدة يذكرها كثير منا. وهنا تكمن الفروقات الجوهرية بين المشهور الحقيقي المتسلح بالعلم والمعرفة والمحتوى الرصين والخبرة الإعلامية وبين مشاهير "البسة والبطة" الذين أكثرهم مجرد أوعية فارغة من الوعي والثقافة والمسؤولية، وجدوا أنفسهم أمام صدفة صنعتهم في زمن تطفو عليه ثقافة التفاهة. (ويزداد المشهد تعاسة وألماً حين يشاهد المتابع بعض المنشآت وهي تستقطب أشباه "كبلز الخبر" الذين هم مشاهير الغفلة وتُصدّرهم في مشاريعها من دون أن يساهم الشهير بأي مضمون قيَمي أو فكري، فالهدف مجرّد وجود كاميرا سعادة المشهور!) نحن لسنا ضد مشاهير "البسة والبطة" فما يحدث ليس ذنبهم لكننا نأسف على بعض أفراد المجتمع وبعض الكيانات التي تضع من هؤلاء أبطال المرحلة وفزاعة تلميع للوصول للمجتمع لإبراز وتوثيق الإنجازات. لا ننكر تميز وسائل التواصل الاجتماعي بشهرتها وقدرتها في الوصول السريع للمجتمع ولكن غالباً ما يكون رموزها مفلسين يفتقرون إلى الأسس العميقة للمعرفة. فكثير منهم مجرد ظواهر زمنية، مبنية على الصدفة والظروف، من دون بناء معرفي مقرون بالمسؤولية والرصانة والعمق الإدراكي. في عالم الإعلام، يظهر المثقف الحقيقي بمحتوى أقرب للجودة النسبية، مستنداً إلى البحث والتحقق وقدرة على نقل المعرفة بشكل مقنع، بينما يعتمد مشهور المنصات الاجتماعية على السطحية في المحتوى والانطباعات السريعة، من دون الالتزام بالدقة والتحقق الشامل. وهنا وقفة لإنصاف بعض مشاهير المنصات المميزين، رغم ندرتهم، الذين نفتخر بهم وبما يقدمونه لوطنهم ومجتمعهم على كافة الصعد وعدم إقحامهم في تصنيف هم بريئون منه. في نهاية المطاف، تظهر الفقاعات في زمن التفاهات، إذ سرعان ما تتلاشى شهرة مشاهير الفلس كما هو الحال مع مشاهير "كبلز الخبر". "إذا رأيت للأقزام ظلاً طويلاً فاعلم أن الشمس في طريقها للمغيب"، مثل إسباني.
نقلاً عن الرياض.
نقلاً عن الرياض.
التعليقات (0)
التعليقات مغلقة